سورة البقرة - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر} {فأنجيناكم} يعني من فرعون {وأغرقنا آل فرعون}. وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منفلقاً: انظروا إلى البحر كيف انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا مني ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوا، وقيل: قالوا له: إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل موسى وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل عليه السلام على فرس أنثى وديق فتقدمه، وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في أثرها ولم يملك فرعون من أمره شيئاً، واقتحمت الخيول خلفه في البحر وجاء ميكائيل خلفهم يسوقهم وهو على فرس ويقول: الحقوا بأصحابكم حتى صاروا كلهم في البحر وخرج جبريل من البحر وهم أولهم بالخروج فأمر الله البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم وأغرقهم أجمعين وكان بين طرفي البحر أربع فراسخ وهو بحر القلزم وهو على طرف من بحر فارس، وقيل: هو بحر من وراء مصر يقال له: إساف وكان إغراق آل فرعون بمرأى من بني إسرائيل فذلك قوله: {وأنتم تنظرون} يعني إلى هلاكهم وقيل: إلى مصارعهم وقيل: إن البحر قذفهم حتى نظروا إليهم ووافق ذلك يوم عاشوراء فصام موسى عليه السلام ذلك اليوم شكراً لله تعالى.


{وإذ وعدنا} من المواعدة وهو من الله الأمر ومن موسى القبول وذلك أن الله وعده بمجيء الميقات {موسى} اسم عبري معرب فموسى بالعبرية الماء والشجر سمي موسى لأنه أخذ من بين الماء والشجر ثم قلبت الشين سيناً فسمي موسى {أربعين ليلة} أي انقضاء أربعين ليلة ثلاثين من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة، وقرن التاريخ بالليل دون الأنهار لأن الأشهر العربية وضعت على سير القمر لأن الظلمة أقدم من الضوء.
ذكر القصة في ذلك:
قال العلماء: لما أنجى الله نبي إسرائيل من البحر وأغرق عدوهم ولم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليهما، وعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة فقال موسى لقومه: إني ذاهب إلى ميقات ربي لآتيكم منه بكتاب فيه بيان ما تأتون وما تذرون، ووعدهم أربعين ليلة واستخلف عليهم أخاه هارون فلما جاء الموعد أتاه جبريل عليه الصلاة والسلام على فرس يقال له: فرس الحياة لا يصيب شيئاً إلا حيي ليذهب بموسى إلى ميقات ربه فرآه السامري، وكان صائغاً اسمه ميخا وقال ابن عباس: اسمه موسى بن ظفر، وقيل: كان من أهل ماحرا وقيل كرمان وقيل من بني إسرائيل من قبيلة يقال لها السامرة وكان منافقاً يظهر الإسلام وكان من قوم يعبد ون البقر فلما رأى جبريل على ذلك الفرس ورأى موضع قدم الفرس يخضر في الحال فقال في نفسه إن لهذا لشأناً وقيل رأى جبريل حين دخل البحر قدام فرعون فقبض قبضة من تراب فرسه وألقى في روعه، أنه إذا ألقي في شيء حيي فلما ذهب موسى إلى الميقات، ومكث على الطور أربعين ليلة وأنزل الله عليه التوراة في الألواح وكانت الألواح من زبرجد، وقربه نجياً وأسمعه صرير الأقلام وقيل: إنه بقي أربعين ليلة لم يحدث فيها حدثاً حتى هبط من الطور، وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلياً كثيراً من القبط حين أرادوا الخروج من مصر بعلة عرس لهم فلما هلك فرعون وقومه بقي ذلك الحلي في أيديهم فلما فصل موسى قال لهم السامري: إن الحلي الذي استعرتموه من القبط غنيمة لا تحل لكم فاحفروا حفيرة وادفنوه فيها حتى يرجع موسى، ويرى فيها رأيه وقيل: إن هارون أمرهم بذلك فلما اجتمعت الحلي أخذها السامري وصاغها عجلاً في ثلاثة أيام، ثم ألقى فيها القبضة التي أخذها من تراب فرس جبريل عليه الصلاة والسلام فصار عجلاً من ذهب مرصعاً بالجواهر وخار خورة وقيل: كان يخور ويمشي، فقال لهم السامري: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} أي فتركه ها هنا وخرج يطلبه وكان بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد، فعدوا اليوم مع الليلة يومين فلما مضى عشرون يوماً، ولم يرجع موسى وقعوا في الفتنة وقيل: كان موسى وعدهم ثلاثين ليلة ثم زيدت العشرة فكانت فتنتهم في تلك العشرة فلما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى، ظنوا أنه قد مات ورأوا العجل وسمعوا قول السامري فعكف عليه ثمانية آلاف رجل يعبد ونه، وقيل: عبد ه كلهم إلا هارون مع اثني عشر ألف رجل وهذا أصح فذلك قوله عز وجل: {ثم اتخذتم العجل} يعني إلها {من بعده} أي من بعد موسى {وأنتم ظالمون} أي وأنتم ضارون لأنفسكم بالمعصية حيث وضعتم العبادة في غير موضعها {ثم عفونا عنكم} أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم {من بعد ذلك} أي من بعد عبادتكم لعجل {لعلكم تشكرون} أي لكي تشكروا عفوي عنكم، وحسن صنيعي إليكم وأصل الشكر هو تصور النعمة وإظهارها ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها والشكر على ثلاث أضرب: شكر القلب وهو تصور النعمة.
وشكر اللسان وهو الثناء على النعمة. وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها، وقيل الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السر والعلانية؛ وقيل: حقيقة الشكر العجز عن الشكر. وحكي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: إلهي أنعمت عليّ النعم السوابغ وأمرتني بالشكر وإنما شكري إياك نعمة منك فأوحى الله تعالى إليه يا موسى تعلمت العلم الذي لا فوقه علم حسبي من عبد ي أن يعلم أن ما به من نعمة فهي مني. وقال داود عليه الصلاة والسلام: سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة وقال الفضيل: شكر كل نعمة أن لا يعصى بعدها بتلك النعمة وقيل شكر النعمة ذكرها وقيل: شكر النعمة ذكرها وقيل: شكر النعمة أن لا يراها البتة ويرى المنعم وقيل الشكر لمن فوقك بالطاعة والثناء ولنظيرك بالمكافأة ولمن دونك بالإحسان والإفضال. قوله عز وجل: {وإذ آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة {والفرقان} قيل: هو نعت الكتاب والواو زائدة. والمعنى الكتاب المفرق بين الحلال والحرام والكفر والإيمان وقيل: الفرقان هو النصر على الأعداء والواو أصلية {لعلكم تهتدون} يعني التوراة {وإذ قال موسى لقومه} يعني الذين عبد وا العجل {يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل} يعني إلهاً تعبد ونه فكأنهم قالوا ما نصنع قال {فتوبوا إلى بارئكم} أي ارجعوا إلى خالقكم بالتوبة قالوا كيف نتوب قال {فاقتلوا أنفسكم} يعني ليقتل البريء منكم المجرم. فإن قلت التوبة عبارة عن الندم على فعل القبيح والعزم على أن لا يعود إليه وهذا مغاير للقتل. فكيف يجوز تفسير التوبة بالقتل. قلت: ليس المراد تفسير التوبة بالقتل بل بيان أن توبتهم لا تتم إلا بالقتل، وإنما كان كذلك لأن الله أوحى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن توبة المرتد لا تتم إلا بالقتل. فإن قلت: التائب من الردة لا يقتل فكيف استحقوا القتل وقد تابوا من الردة.
قلت ذلك مما تختلف فيه الشرائع فلعل شرع موسى كان يقتضي أن يقتل التائب من الردة إما عاماً في حق الكل أو خاصاً في حق الذين عبد وا العجل {ذلكم خير لكم عند بارئكم} يعني القتل وتحمل هذه الشدة لأن الموت لا بد منه فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا: نصبر لأمر الله تعالى فجلسوا محتبين من الحبوة وهم ضم الساق إلى بطن بثوب، وقيل لهم من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردودة توبته، وأصلت القوم الخناجر والسيوف، وأقبلوا عليهم فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فيرق له، فما يمكنهم المضي لأمر الله تعالى فقالوا يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله تعالى عليهم سحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً فكانوا يقتلون إلى السماء فلما كثر القتل دعا موسى وهارون الله وبكيا وتضرّعا إليه وقال: يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية فكشف الله السحابة عنهم وأمرهم أن يكفوا عن القتل، فتكشف عن ألوف من القتلى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان عدد القتلى سبعين ألفاً فاشتد ذلك على موسى فأوحى الله إليه أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنة، فكان من قتل منهم شهيداً ومن بقي مكفراً عنه ذنوبه فذلك قوله تعالى: {فتاب عليكم} أي فعلتم ما أمرتم به فتجاوز عنكم {إنه هو التواب} أي الرجاع بالمغفرة القابل التوبة {الرحيم} بخلقه.


قوله عز وجل: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك} أي لن نصدقك {حتى نرى الله جهرة} أي عياناً وذلك أن الله عز وجل أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً من خيارهم وقال لهم: صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، ففعلوا وخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه فقالوا لموسى: اطلب لنا أن نسمع كلام ربنا قال: أفعل فلما دنا من الجبل وقع عليه عمود من الغمام وتغشى الجبل كله فدخل موسى في الغمام، وقال للقوم: ادنوا حتى دخلوا تحت الغمام وخروا سجداً وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجه نور ساطع فلا يستطيع أحد أن ينظر إليه فضرب دونهم الحجاب وسمعوه يكلم موسى يأمره وينهاكم وأسمعهم الله تعالى: إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبد وني ولا تعبد وا غيري فلما فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، وإنما قالوا: جهرة توكيد للرؤية لئلا يتوهم متوهم أن المراد بالرؤية العلم {فأخذتكم الصاعقة} قيل: هي الموت وفيه ضعف لأن قوله وأنتم تنظرون يرده إذ لو كان منها الموت لامتنع كونهم ناظرين إليها وقيل: إن الصاعقة هي سبب الموت واختلفوا في ذلك السبب فقيل: إن ناراً نزلت من السماء فأحرقتهم. وقيل: جاءت صيحة من السماء وقيل: أرسل جموعاً من الملائكة فسمعوا بحسهم فخروا صعقين {وأنتم تنظرون} أي ينظر بعضكم إلى بعض كيف يأخذه الموت فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرع ويقول إلهي ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد هلك خيارهم «لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا» فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله رجلاً بعد رجل، بعد ما ماتوا يوماً وليلة ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون فذلك قوله تعالى: {ثم بعثناكم} أي أحييناكم {من بعد موتكم} أي لتستوفوا بقية آجالكم وأرزاقكم ولو أنهم كانوا قد ماتوا لانقضاء آجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة {لعلكم تشكرون} قوله عز وجل: {وظللنا عليكم الغمام} يعني في التيه يقيكم حر الشمس، وذلك أنه لم يكن لهم في التيه شيء يسترهم ولا يستظلون به فشكوا إلى موسى فأرسل الله غماماً أبيض رقيقاً يسترهم من الشمس وجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم الليل إذا لم يكن قمر {وأنزلنا عليكم المن والسلوى} أي في التيه الأكثرون على أن المن هو الترنجبين وقيل: هو شيء كالصمغ يقع على الشجر طعمه كالشهد. وقال وهب: هو الخبز الرقاق، وأصل المن هو ما يمن الله به من غير تعب.
(ق) عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكماة من المن وماؤها شفاء للعين» ومعنى الحديث أن الكمأة شيء أنبته الله من غير سعي أحد ولا مؤنة وهو بمنزلة المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل، وقوله: وماؤها شفاء للعين معناه أن يخلط مع الأدوية فينتفع به لا أنه يقطر ماؤها بحتاً في العين وقيل: إن تقطيره في العين ينفع لكن لوجع مخصوص، وليس يوافق كل وجع العين وكان هذا المن ينزل على أشجارهم في كل ليلة من وقت السحر إلى طلوع الشمس، كالثلج لكل إنسان صاع فقالوا: يا موسى قد قتلنا هذا المن بحلاوته، فادع لنا ربك أن يطعمنا اللحم فأرسل الله عليهم السلوى، وهو طائر يشبه السماني وقيل هو السماني بعينه فكان الرجل يأخذ ما يكفيه يوماً وليلة، فإذا كان يوم الجمعة يأخذ ما يكفيه ليومين لأنه لم يكن ينزل يوم السبت شيء {كلوا} أي وقلنا لهم كلوا {من طيبات} أي حلالات {ما رزقناكم} أي تدخروا لغد فخالفوا وادخروا فدود وفسد، فقطع الله عنهم ذلك.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر» قوله: لم يخنز اللحم لم ينتن ولم يتغير {وما ظلمونا} أي وما بخسوا حقنا {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} يعني بأخذهم أكثر مما حولهم فاستحقوا بذلك عذابي وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤنة ولا تعب في الدنيا ولا حساب في العقبى.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9